الاثنين، 28 مارس 2016

اقتباسات من "قبض الريح"

 سألوه خلال حوار صحفى بـ (اليوم السابع):
- لماذا العنوان قبض الريح؟
ـ بعد انتهائى من الحكايات، وخاصة الحكاية 24 التى سببت لى ألما خاصا وحزنا لم يفارقنى حتى الآن فتذكرت حكاية سمعتها من أحد المقربين من الموسيقار محمد عبد الوهاب أن عندما أخبرته السيدة زوجته أن عبد الحليم حافظ رحل عن الحياة أخذ يردد (قبض الريح.. قبض الريح) هذه الجملة العبقرية جسدت ولخصت معنى فقد الأقارب والأحباب والأصدقاء والأماكن المحببة.

(1)
إنت لو سعادتك كلفت خاطرك وقريت رواية خيري شلبي (موال البيات والنوم).. تعرف إنك مليونير، عمك خيري بعد ما شرف القاهرة من إسكندرية في السكة الحديد تزويغ من الكمساري.. كان بينام في دورات مياه محطة مصر، وتحت مكاتب أصدقائه الصحفيين في جريدة الجمهورية، طب أقولك حاجة مش هتصدقها.. إنه كان معاه شنطة سفر كبيرة مرة فتحها ونام جواها.. والناس بلغوا النجدة.. افتكروا في الشنطة قتيل.

(2)
-مشكلتي مافيش ليها حل.
ـ ليه.. بتحب بت مسيحية؟!
ـ عرفت منين يا أستاذ هشام؟!
ـ ساكت ومسهِّم وواد شبراوي.. هتكون مشكلتك إيه.. خسرت في البورصة!

(3)
ـ عم هشام.. وأنا بتكلم مع إسماعيل.. كنت متابعك بعنيا.. شوفتك بتضحك وبتعيط في وقت واحد!
ـ لما كنت باضحك.. افتكرت وأنا بدفن بابا ونزلت معاه .. لما كان يقولي "تعرف..أنا هنزل على أبويا وأنا أكبر منه في السن".. وقفت ثواني بعد ما الدفّان خلص.. أتخيل لقاء جدي مع أبويا.. وهو بياخده في حضنه.. بعد كل السنين دي من الفراق.. عملت في خيالي مشهد للقاء.. بين الأب اللي توفى عنده 30 سنة.. والابن اللي تجاوز الثمانين.

(4)
".. مش عارف ليه كنت واثق في نفسي.. ومتخيل إني بمجرد الكتابة لـ"مصطفى أمين".. علطول مشكلة منيرة ستجد طريقها للحل. 
كتبت لـ"مصطفى أمين"أكثر من 10 جوابات.. ولا حس ولا خبر، كنت باصحى من النجمة أستني البوسطجي تحت البيت.. 
من غضبي من "مصطفى أمين" قعدت كتبت خطاب إلى شقيقه التوءم "علي" الذي رحل عن الحياة..أشتكي له توءم روحه الذي انشغل عن الفقراء والمرضى.. ولم يعد نصيرًا للغلابة.. وكتبت على المظروف يسلم إلى الأستاذ "علي أمين"..
روحت مبنى"أخبار اليوم" القديم سلمت الجواب في الاستعلامات.. الموظف قعد يبص لي زي ما يكون مستهبلني.
ـ هوه أنت متعرفش إن "علي أمين" مات؟!
بصيت ليه بعبط:
ـ ماعرفش.. ارمي الجواب.. احرقه.. اعمل فيه اللي انت عايزه.
يومين وسمعت البوسطجي بينده اسمي.. نزلت أجري على السلم حافي.. ظرف لونه أزرق عليه صورة مبنى"أخبار اليوم" بالأحمر.. فتحته بسرعة:
"من مصطفى أمين.. إلى هشام يحيي... أحيي أسلوبك في الكتابة...".
ومبررات عن عدم الرد.

(5)
لغاية ما واحد من المجموعة اتسحب من لسانه وقاله إننا ناويين نعمل إضراب عن العمل... يانهار اسود.. مصطفي بك أمين، الشخص الوديع اللي كان بيتكلم معانا من شوية.. تحول إلى شخص تاني.. وبدأ يخبط علي المكتب بإيده..
"يعني إيه صحفيين يعملوا إضراب.. القراء مش طرف في مشاكلكم مع رئيس التحرير.. تعرفوا لو صحفيين أخبار اليوم أضربوا عن العمل.. أنا أقفل عليّ المكتب وأطلّع أخبار اليوم بنفسي"..
مصطفى وعلي أمين يوم وفاة أمهم.. واعتقاد الصحفيين في أخبار اليوم أن التوءم لن يشاركا رسام الكاريكاتير "رخا" صناعة النكتة اليومية.. مثل كل يوم.. حتى فوجئوا بالتوءم بعد تشييع جنازة الأم في طريقهما إلى مكتب "رخا" وأصوات الضحك تجلجل.. وكلمة من هنا وقفشة من هناك.. واستدعوا الساعي وأعطوه الكاريكاتير.. ليوصله إلى سكرتير التحرير.. وبعدها سقطا مغشيًا عليهما في الأرض منهارين، ونقل مصطفى أمين إلى العناية المركزة مصابًا بأزمة قلبية حزنًا على أمه.. 
تعرف ياوليد لما دخلت الجيش.. قعدت في مركز التدريب 40 يوم، كنت وقتها مشرف علي صفحة فنية في جورنال الحقيقية.. صديقي فيصل الليثي ـ وكان زميلي في الجورنال، كل يوم أربعاء كان بيجي ليّا زيارة.. يجيب ليّا تكليفاتي للزملاء.. أعيد صياغتها تحت السرير في عنبر الجنود ليلًا.. وأسلم ليه الصفحة في اليوم التاني.

(6)
 مرة راح بلاغ عن شاب ألقى بنفسه من الدور الرابع.. بس لسه فيه الروح.. الشاب ده كان مع شلة من أصحابه.. وكانوا عاملين "حفلة".. على واحدة.. لما الدور جه عليه ودخل الأودة.. طلعت الست اللي في "الأودة" أمه.. فتح الشباك ورمى نفسه.. بس إنت عارف من أكثر الحوادث اللي تعبتني نفسيًا.. حكاية بنت.. "الداية" عملت ليها عملية ختان بقطعة زجاج.. ولما البت اتعرضت لنزيف.. كبستها بن وهربت.. راح أبويا لقى البت ماتت.

(7)
جلسنا مع رئيس التحرير التنفيذي..
المتخلف عندما لاحظ أن بعض الشباب حزين على رئيسهم المقال.. أراد أن يخفف من الاجواء بطريقة غبية تدل على أن تأثير (الحشيش) لم يفارق رأسه قبل أن يأتي الاجتماع:
"على فكرة ياجماعة.. أستاذ فلان كان صحفي كويس.. بس النبي مات.. والحياة مشيت بعده بيس".

(8)
هوه مراهن الرهان الخاسر على مدار تاريخ الصحافة.. إن بدونه الجورنال سيضيع ويفشل.. وده كلام فارغ، ياعم وليد هيكل ساب الأهرام.. و"الأهرام" بقى"الأهرام" وإحسان ساب "روزاليوسف" وبقت "روزاليوسف"... وأعد ليك.. ده غرور مغلف بغباء.

(9)
ـ حميدة لما خرجت من الزقاق الدنيا اتقلبت.. وعباس لما رجع من الأورنس.. خد محمد وراحوا يلموا لحمهم.. كانت حميدة واحدة ياعم وليد.. تعالي معايا دلوقتي شارع جامعة الدول العربية وأنا أوريك ألف حميدة بيخرجوا بالليل من بولاق الدكرور والعشوائيات.. بيخرجوا محجبات ومنقبات وبيغيروا هدومهم في التاكسيات.. طب أقولك علي حاجة كنت باتكلم فيها من يومين مع أستاذ وجدي الشناوي.. تعرف إن سناء جميل الممثلة أهلها في الصعيد متبرئين منها من الأربعينيات بسبب شغلها في التمثيل.. وحتى بعد ما اتجوزها أستاذ لويس جريس.. موقفهم فضل هو هو... لدرجة إن لما ماتت اضطر يكتب في نعيها في الأهرام قريبة ونسية جميع عائلات العالم العربي.. النهارده كل بت داخله التمثيل أو الغنا..أخوها مدير أعمالها أو أبوها..

(10)
المرة الوحيدة اللى شفته فيها عصبى، وبيطرد شخص من مكتبه، كان طلب مقابلته ورحب بيه زى ما بيرحب بأى حد، قدم نفسه ليه إنه مسيحى، عشان مسيحى زيه، والله يا وليد طرده شر طردة، شبه رماه برة المكتب، وطول اليوم أهدى فيه.
"الكلام لا يزال عن/ لويس جريس"

(11)
من أخطر الحوادث الاجتماعية اللي بابا شاهد عليها.. خيانة زوجية.. راجل كان مع عشيقته في بيتها بعد ما جوزها راح الشغل.. شوف النصيب يامعلم.. الست تصاب بشد عضلي.. في مكان حساس.. ما يخليش الراجل يعرف يفك منها.. وكمان يصاب بألام مفزعة.. وعشان يتفكوا من بعض.. لازم ياخدوا هما الاثنين.. مخدر كامل، الراجل فضل يصرخ لغاية ما الجيران في (العدوية) اتلموا.. وبلغوا النجدة والإسعاف.. وطبعًا شنطة المسعف مفيش فيها "مورفين".. خدوا الراجل والست في حراسة عساكر قسم الرملة.. متغطيين بالملاءات والمفارش.
ـ يا خبر اسود.. وفي بولاق.. وكمان العدوية..يعني فضيحة رسمي!

(12)
 ـ عم هشام .. إنت عملت حوار مع إبراهيم شكري؟
ـ مرة عملت معاه حوار في بيته.. نشرته في جريدة الأحرار..ومرة اضربت معاه علقة سخنة في جامع الأزهر.. في مظاهرات سليمان خاطر.. لما أعلن الاعتصام في الجامع من بعد صلاة الجمعة إلى العصر، ودخل رجالة الحزب الوطني ضربونا علقة.. ولم يحترموا شيبة ولا تاريخ هذا المناضل. تصدق ياوليد لما أمريكا غزت العراق.. إبراهيم شكري سافر العراق وهو على مشارف التسعين.. عشان يحارب الأمريكان.

(13)
ـ عارف والله العظيم إنك هش هتفوت حكاية اغتيال الشيخ حسن البنا.
ـ أصلي قرأت في أكثر من مرجع تاريخي...
لم أتركه يستكمل.. وأنا غاضب:
ـ إن الإسعاف شاركت في مؤامرة اغتياله.. على فكرة.. لو بابا حاضر في القعدة دي كان قام ضربك.. عمومًا بابا والشيخ البنا دلوقتي في دار الحق.. وإحنا في دار الباطل.. لازم الأول تعرف إن الإسعاف طول عمرها جمعية وطنية.. غير منحازة لفريق سياسي على حساب فريق.. ده حتى في الحروب.. الشيخ البنا لما ضربوه بالرصاص وهوه داخل جمعية الشبان المسلمين اللي في شارع رمسيس.. الناس اتلموا.. وشالوه وراحوا بيه جري عيادة الإسعاف.. الطبيب النوبتجي.. لما شاف الحالة خطيرة ولازم تدخل جراحي.. أمر بنقله لقصر العيني.. خصوصًاإنه فقد كمية كبيرة من الدم.. وبعدين إنت متخيل عربية الإسعاف "أم جرس" في الأربعينيات كانت مجهزة بإيه.. شنطة فيها شوية شاش وقطن وميكروكروم وسبرتو أبيض وجبيرة للكسور.. يعني تقديم الإسعافات الأولية للمصاب.
ـ معلش ياعم هشام.. استحملني شوية.. هما مصلحتهم إيه يشوهوا الإسعاف؟
ـ القصة مش الإسعاف.. القصة صنع أسطورة حول مرشدهم.. وإنت أكيد عارف كويس.. وتناقشنا كثير في دور جهاز الإعلام الاخواني في ترويج القصص الوهمية.

(14)
واسترجعت كل الأفلام العربي التي شاهدتها في حياتي.. وقصص العلاقات بين الممثلات والصحفيين.. وبعدين دي اسمها (إغراء).. يعني مفيش مجهود.. هي كده خِلقة ربنا (إغراء).. اتسحبت من بينهم وذهبت إلى موظف الاستقال.. وطلبت رقم حجرتها.. منحني الرجل تليفونها بسهولة.. اتصلت بها من الفندق.. وطلبت منها إجراء حوار صحفي معاها.. صوتها كاد أن يذهب بعقلي (إغراء) بجد.. أي أوصاف أخرى لصوتها ستنتقل بي إلى الإباحية..
طرقت باب غرفتها بهدوء وقلبي بيدق.. وصوت عبد الحليم في أذني "إني أتنفس تحت الماء إني أغرق".. استقبلتني سيدة وقورة على مشارف السبعين.. بيني وبين نفسي.. قلت "إيه اللي جاب جدتها معاها دلوقتي؟"..
اقتحمت صمتي "اتفضل".. عيني تدور في المكان تبحث عن (إغراء).. الغرفة خالية إلا من هذه العجوز السبعينية.. التي كشفت لي عن هُويتها.. إنها (إغراء) الممثلة السورية بطلة فيلم الباب المفتوح مع فاتن حمامة وصالح سليم..

(15)
أكبر نسبة مؤيدين للدكتور فرج في شبرا المسيحيين.. عشان شعار حملته (الوحدة الوطنية هي الحل) في مواجهة شعار (الإسلام هو الحل).. مرة قاعدين في الترتيبات الأخيرة ليوم الانتخاب.. دخل علينا واد اسمه وحيد رأفت.. ملازم للدكتور فرج في كل حتة وهو بيصرخ "إلحق.. يا دكتور.. أبونا صليب عامل قداس في كنيسة الجيوشي.. بيروج فيه لانتخاب محمد الجويلي".. انفعل فودة وقعد يشتم.. فشلت في إني أهديه وأقنعه.. إن علاقة أبونا صليب والجويلي مش علاقة انتخابات.. دول أصحاب وولاد منطقة واحدة قبل أبونا صليب ما يترسم قمص.. رفض د. فرج يسمع كلامي وخد عربيته وطار على البابا شنودة في وادي النطرون.. اشتكى له من أبونا صليب.. البابا عشان بيحب فرج فودة قطع صيامه.. ونزل عمل قداس.. يدعو فيه الشعب المسيحي لانتخاب فودة.. حسب كلام دكتور فرج.. وهو شبه مغمى عليه في الشقة عندي.. زيارته للبابا رصدتها الأجهزة الأمنية.. واترفع بيها تقرير للقيادة السياسية وللوزير زكي بدر.. اللي استدعى فرج.. وفي مكتبه رفض يقعده.. واستقبله بسيل شتيمة.. من اللي كان بيجود بيها الوزير على المعارضة واللي كانت سبب في إقالته من الوزارة.. "يابن (...) ده إنت مرشح حسني مبارك يا (...).. يعني الانتخابات متزورة عشانك متزورة.. رايح تقابل شنودة ليه (...) .. عشان يتقال شنودة هو اللي بينجح ويسقط في الانتخابات.. بتعمل منه زعيم يا بن (...) روح لم اليفط بتاعتك والدعاية.. خلاص الفيلم خلص، وفعلًا سقط د. فرج بفضيحة.. وبعد سنتين استشهد برصاصات غادرة.. على باب مكتبه في أسماء فهمي.. في ملف قضية غامض ما حدش فتحه لغاية دلوقتي.

(16)
ولكن نظراته كانت متجهة نحو الباب.. لما طلبت دعاءه لي.. رد علي رد أذهلني.. "شيخك أولى بيك"..لم أتعمق في المعنى الباطني للرد.. وتعاملت مع ظاهره.. وغضبت جدًا واعتبرتها قسوة.. حتى التقيت أحد شيوخي في الصوفية.. وحكيت له تفاصيل الواقعة كاملة.. ربت على كتفي.. وفاجأني بكلامه:
"عارف عمك الشيخ صالح عينه لم تلتقي بعينك ليه.. وكانت نظراته فين.. كانت مع الشيخ فرغلي اللي كان في ظهرك.. هو الأب بيسيب ابنه.. عارف لو عمك الشيخ أبو خليل شيخ (فشنك).. كان على طول قالك تعالى اقرأ فاتحة معايا وخد عهد.. بس هو بيشوف.. وعارف إن ما فيش عهد على عهد.. ولا فاتحة على فاتحة.. وإن شيخك أولى بيك..

(17)
الخطوط العريضة التى وضعها الكبير/ محمود عوض، فور تسلمه رئاسة تحرير (الأحرار):
 الصحفى اللى هيجيب إعلان هقطع رقبته.. اللى هيجيب خبر صفحة أولى هياخد مكافأة أسبوعية.. أى خبر كاذب صاحبة هيترمى فى الشارع.. الصحفى هوا صاحب الجورنال.. كل اللى بيشتغلوا فيه (إدارة.. عمال.. إعلانات.. رئيس مجلس إدارة).. فى خدمة أصغر محرر.. لولا الصحفيين ما كانت هناك صحف أو جرايد أو اعلانات.. الجورنال القوى تجرى وراه الإعلانات.. الخبر ملك القارئ.. والرأى ملك صاحبه..

(18)

تعرف في سنة 88 كنت بشتغل لسه في جورنال الأحرار.. بعد استبعاد أستاذ محمود
عوض من رئاسة التحرير، نظير صفقة عقدها رئيس الحزب مع الشيخ صلاح أبو إسماعيل.. عمك الشيخ صلاح اتسبب في فصل 3 صحفين.. وكنت أنا هبقى الصحفي الرابع.

ـ يا خبر.. إزاي ياعم هشام؟

ـ حزب الاحرار كل أسبوع.. كان بينظم مؤتمرات حزبية.. للشيخ صلاح أبوإسماعيل.. عشان ينشط العضوية في المحافظات.. كل مؤتمر كان يطلع معاه صحفي يغطي المؤتمر وينشره.. في نفس يوم النشر يتصل أبو إسماعيل برئيس التحرير وينفي كلامه المنشور في المؤتمر.. لغاية الدور ما جه على العبد لله.. وروحت معاه لفة في الشرقية.. وخدته الجلالة في مؤتمر من المؤتمرات.. وقال: الخميني كافر والله على ما أقوله شهيد.

طبعًا خدتها عنوان رئيسي للتغطية.. ورئيس التحرير خدها المانشيت اللي فوق المانشيت الرئيسي، على الظهر كان متصل بـ"محمد عامر"..في مكتب محمد عامر سمعته الشريط.. اتخرس.. أصل وقتها كانت الحرب دائرة بين إيران والعراق.. والشيخ صلاح كان واخد جانب صدام حسين.


(19)
عرفت إن مباحث أمن الدولة اتصلت بأسامة الشيخ، وقالوله إنه شغل العيال بتوع الدستور اللى مبارك بيعاقبهم، وإنه كان واضح معاهم إن شغال عند صالح كامل، مش عند مبارك، ولو عايزين يقفلوا (ART) زى ما قفلوا الدستور، يقفلوها.
 
(20)

"من دون لف أو دوران.. امتنعت ليه عن أداء التحية؟"..

من دون أن أنظر إليه.. تكلمت وأنا في وضع الثبات:

"أنادخلت الجيش يافندم عشان أحارب إسرائيل.. مش عشان أؤدي التحية للسفيرالإسرائيلي!".. 

وجه لي أمر.. أن أسترح.. يعني أفك وضع الثبات.. وبأبوة شديدة.. ونظرة لسه فاكرها.. كأنه عايزيقولي إنت اللي هتعلمني الوطنية.. شاور إلى (خوذة) أمامه متفرتكة.. زي ما بيقولوا: 

"تعرف إيه ديه؟"..

"لا.. يافندم"..
"دي الخوذة بتاعتي في حرب الاستزاف.. مدمرة بشظايا العدوالإسرائيلي.. تعرف إن الرئيس عبدالناصر أمر بترقيتي ترقية استثنائية وأنا على الجبهة لأعمالي البطولية خلف خطوط العدو".. 
ماكانش طبعًا ينفع أناقشه أو أجادله أو أسأله.. أمال السفير كان بيعمل هنا إيه؟
واستكمل اللواء كلامه:
"في محاضرات مركزالتدريب.. إيه التوجيه.. اللي اتقال ليكم؟".. 
"إحنا مانعرفش حاجة اسمها معاهدة السلام.. ده شغل السياسيين.. العدو هو إسرائيل!"..

ـبس بجد يا عم هشام.. حسيت بإيه لما شوفت السفيرالإسرائيلي؟
ـأعترف ليك بسر.. أنا ماعرفتش أرفع رجلي من على الأرض.. مش رفضت أداء التحية..

 (21)

عند بتاع الجرائد شوفت غلاف مجلة الاعتصام.. عاملين حوار مع د.مصطفى محمود وعاملين العنوان: "مصطفى محمود بيأكل بالشوكة والسكينة!

قمت جبت المجلة.. ناولتها لـبابا.. خدها مني قعد يتصفحها.. عيني كانت بتراقبه.. أول ما شوفت هبيقرأ حوارمصطفى محمود:

"شوفت يا بابا قريب ولاد أختك بيقول إيه؟ إن الناس لازم تاكل بالشوكة والسكينة.. ده كلام كفر.. هوه مش عارف يابابا إن الشوكة والسكينة بدعة؟!".

"إنت مش شجاع، وتعرف تدافع عن رأيك.. روح قول الكلام ده ليه في وشه!". 
في الأول اتخضيت.. بس تمالكت نفسي بسرعة وقلتله:
"وإيه المشكلة.. أنا موافق: دي كلمة حق والساكت عن الحق شيطان أخرس"..
في أقل من 5 دقائق لقيت نفسي متورط في مقابلة مع مصطفى محمود في شقته بالزمالك.. قبل ما يتنقل إلى المهندسين.. يوم الميعاد.. روحت مع (نورتان) بنت عمتى.. قابلتنا أخته الكبيرة.. خدتني من إيدي.. ودخلتني عليه أودة نومه.. نور الأوده كان نورهادئ.. أقرب للظلمة.. لأن عينيه كانت تعبانة.. أيقظته من النوم وتركتني لوحدي معه وخرجت إلى نورتان.. حسيتب خوف منه.. وكنت واقف بعيد بارتجف، طلب مني أقترب منه عشان هوه تعبان.. وصوته ضعيف.. كنت مخبي المجلة في الجلابية.. طلعتها وأنا باتخيل نفسي على منبر مسجد واتفتحت في الكلام.
"إنت كافر.. بتاكل بالشوكة والسكينة.. حرام عليك.. هوه النبي كان بياكل بالشوكة والسكينة.. إنت بتحرض الناس على البدع والمعاصي".
وليد وهو مسخسخ من الضحك:
ـوعمل إيه يا عم هشام والنبي كمل! 
ـسابني أتكلم.. لم ينطق بكلمة.. وبعدين أقعد على طرف السرير.. وقالي:
"بص تعالى نتفق على حاجة.. أنا النبي بتاعي لوكان عايش كان حياكل بالشوكة والسكينة.. وكان حيبقى أشيك قائد في العالم، وكان حيركب طيارات وسفن، وممكن كمان يقودها بنفسه، كان حيتكلم بالعربي والإنجليزي.. وكل اللغات.. كان وكان وكان.. إنت بقى النبي بتاعك عايزه ياكل بالشوكة والسكينة.. ويقعد على الأرض، ويلبس جلابية.. ويروح المؤتمر بعد ما يخلص بسنة عشان رايح على جمل.. إنت حر في اختيارك"..
 
 (22)
ـانسحابي من بينهم حصل بسبب رواية (أنف وثلاث عيون).. واحد من الإخوة شافني قاعد بقرأ في الرواية على محطة المترو، في ميدان الحجاز.. شد الرواية مني بغباوة.. ورماها على الأرض.. وبمنتهى الوقاحة هددني إنه سيبلغ عني الشيخ عبد الله إنه شافني بقرأ هذا الكفر!
رديت عليه "الرواية دي من مكتبة أبويا.. وأبويا عمره مايغلط.. يعني أبويا ممكن يدخل البيت حاجات كفر؟".
ردعلى بقسوة:
"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
تاني يوم طلب مني الشيخ عبد الله بعد صلاة الظهر.. إني ما أغادرش المسجد..دخل في الموضوع على طول.. "مكتبة أبوك فيها كتب إيه يا أخ هشام؟"..
رديت "فيها إحسان عبد القدوس وتوفيق عبد الحكيم وطه حسين والعقاد وعلي محمود طه ومحمود حسن إسماعيل وألف ليلة وليلة وفي ظلال القرآن.. وكثير ياشيخ عبدالله"..
في اليوم ده شوفت الوجه الآخر للشيخ عبد الله.. احرقها وطهر أبوك من هذه النجاسة.. شيل الأول في ظلال القرآن والكتب الدينية،وبعدين احرقها!
ماعرفتش أرد عليه..
وأنا مروح في المترو.. ماكنتش طايق نفسي.. وجوايا عملية شد وجذب.. بتقطع فيّ.. إحساسي ناحيتهم إنهم اللي خلوني أصلي.. وأقرأ القرآن وأصلي الفجر حاضر في المسجد.. بس برضه مين العيل ده أبو 17 سنة.. اللي ممكن يكون بيفهم أحسن من بابا.. وبعدين يعني إيه.. احرق مكتبة أبوك!

(23)
كثير قوي.. مش كثير وبس، كل يوم تقريبًا.. كنت مصدع دماغي بسؤالك التقليدي:

ـ أنا شرفتك ياعم هشام؟ إنت مبسوط من شغلي ياعم هشام؟

مرة كنت أرد، ومرة كنت أغضب منك وأتعصب عليك.. كنت بكره في لحظات إحساسي بعدم ثقتك في نفسك وفي شغلك، ومرة كنت أتجاهل السؤال ضمن أسلوبي في تربيتك صحفيًا؛ خوفًا عليك من نفسك ومن الغرور المبكر أن يصيبك.

(من فضلك ياوليد.. بلاش تقاطعني.. بكره الطريقة دي في حواراتنا)..

ـ أيوه ياوليد أنت شرفتني... ورفعت راسي... وأكدت قدرتي وموهبتي علي اكتشاف المواهب الصحفية، وأعتقد كل اللي كانوا غاضبين من انحيازي ليك من أول يوم خدتك من إيدك ودخلتك جورنال "عين"؛ عرفوا سر انحيازي ليك.

تحب أقولك حاجة كمان... وأقسم بشرفي أنها ليست رد فعل لهذه اللحظة التي أكتب فيها:

ـ إنت ياوليد تجاوزت في الثلاث سنوات الأخيرة.. بـ"حواراتك وموضوعاتك.. وخبطاتك الصحفية" على صفحات (عين) ما قدمته أنا في أكثر من 30 سنة.. على صفحات أكثر 10 جرائد وربما أكثر.

بلاش نظرات العتاب.. وابعد شوية عن شاشة الكمبيوتر عشان أعرف أكتب!

ـ رغم أني مسامحك مقدمًا.. بس بينا عتاب.. ليه تحطني في الموقف ده.. مين اللي المفروض كان يكتب عن التاني؟ مين ممكن كان ينصفني في كلمة لما أموت غيرك؟ مين أمين على أسراري وحكاياتي غيرك؟ مين عارف مبرراتي في كل موقف اتخذته في حياتي غيرك؟ بدل ما أشرف على فرحك ويوم زفافك وأقف أستقبل المهنئين.. أشرف على سرادق العزاء فيك.

أقسم بالله عارف إنك مالكش ذنب.. وإن السرطان ومعهد ناصر.. وطائر الموت.. استطاعوا أن يغتالوك ويغتالوا أحلامك وأحلامي فيك.

بس تصدق ياوليد أكيد عندك أحسن كثير.. لدرجة إني دلوقتي مطمئن عليك أكثر في غربتي، يكفي إنك انتقلت إلى عالم أكثر شفافية ورقيًا.. لا مكان فيه للغش والخداع والصراع والابتذال، بس أمانة عليك ياوليد:

ـ سلم علي أبويا جدًا!

مش كنت دايمًا تقولي.. أنا نفسي كنت أقابل عم يحيي.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

"